السبت، ٨ ذو الحجة ١٤٢٩ هـ

الشيخ رحمت الله الهندي ومجادلته مع النصارى


ترجمته
هو محمد رحمت الله بن خليل الله -ويعرف أيضاً بخليل الرحمن- الكيرانوي، المنسوب إلى كرانة، قريته، العثماني، المنسوب إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه ذي النورين، وهو جده الرابع والثلاثين. قدم الهند جده الرابع والعشرون.

وُلد رحمه الله تعالى بحي "دربار كلان" الذي معناه "الحي الكبير" في قرية كيرانه، التابعة لمحافظة "مظفر ناجار" من توابع دلهي، الهند، وذلك في غرة جمادي الأولى سنة 1233هـ، الموافق التاسع مارس سنة 1818م في عهد السلطنة المغولية.

نشأ الشيخ رحمت الله في كنف أسرة واسعة الثراء والجاه -وقد اشتهر أفراد أسرته بالعلم والطب والمناصب العالية-، وبدأ تعليمه في بلدته في السادسة من عمره على يد والده وكبار أفراد العائلة -المشهورين بالعلم والفضل والدين- حسب النظام المتبع في ذلك العهد، ولما بلغ الثانية عشرة من عمره حفظ القرآن الكريم، وأتقن اللغة الفارسية، وقرأ كتب الشريعة الإسلامية واللغة العربية على يد آبائه، ثم ارتحل إلى دلهي عاصمة العلم وملتقى فطاحل العلماء للتعليم العالي، فالتحق بمدرسة من المدارس المعروفة هناك حتى أخذ حظاً وافراً من العلوم، وأبان عن ذكائه وتقدمه على أقرانه، ثم سافر إلى لكهنؤ مدينة العلم والحضارة، فتلمذ على أيدي علمائها وتخصص في آداب اللغة الفاريسية كما درس الطب والرياضية والهندسية.

ولما توفرت فيه كفأة للإفتاء تصدر به وأسس مدرسة في قريته. وقد أسس كذلك مدرسة نظامية تسمى بـ"المدرسة الصولية" في مكة حين مكث بها –وسنتحث عنها بعد قليل- وكانت على نفقة ثرية من أثرياء الهند.

من مؤلفاته
· إظهار الحق
· إزالة الشكوك
· إعجاز عيسوي
· والبروق اللامعة
· وتقليب المطاعن
· معدل إعوجاج الميزان
· إزالة الأوهام
· أحسن الأحاديث في إبطال التثليث
· البحث الشريف في اثبات النسخ والتحريف
· معيار التحقيق
· آداب المريدين
· رسالة في الحشر وهي كتابه (التنبيهات)
· رسالة في رفع اليدين في الصلاة

توفي في مكة المكرمة ليلة الجمعة 22 من شهر رمضان المبارك عام 1308 هـ، ودفن في المعلاة مقبرة مكة المكرمة بالقرب من أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها، عن عمر يقارب خمسا وسبعين سنة.

انظر لترجمته مقدمة إظهار الحق، ص15-16. و http://www.alsawlatiyah.com/moases.htm.

مناظرته مع القس النصراني

قصة المناظرة

في القرن الثالث عشر الهجري لما دخل المستعمرون الغربيون الهند، تتالى إثره دخول عدد كبير من المبشرين النصرانيين المبعوث من قبل الكنائس المركزية في أوروبا، ومن بين هؤلاء البعثاء المبشرين القسّ فندر الأمريكي (RV.C.C.P.FUNDER)، وقد أرسلته كنيسة إنجلترا رئيسا للمنصرين في الهند، فأصبح يوجه المبشرين إلى المديريات الهندية ويدربهم على إلقاء الخطب والمحاضرات.

وكان فندر أجرأ القسيسين النصرانيين، وكان له بعض الإطلاع على اللغتين الفاريسية والهندوسية.[1] وقد كتب كتبا في الطعن في الإسلام والقرآن والنبي صلى الله عليه وسلم، كما أن له كتبا في الدفاع عن العقائد النصرانية، ومنها كتابه ميزان الحق.[2]

ومن جراءاة فندر أنه كان يلقي خطبه الدينية عند سلم الجامع الكبير بدلهي ( Delhi) قرب القلعة الحمراء بين العصر والمغرب، وذلك بحراسة قوات الأمن الإنكليزية، وقد جمعوا الناس في الشوارع والأسواق بالإكراه وألزموهم بالوقوف والاستماع لخطبه ومواعظه.[3]

ومن نشاطاته أيضا أنه كان يقوم بجولات كثيرة في أنحاء الهند، ويلقي خلالها محاضرات في كل مكان يحل فيه، كما أنه يعقد الندوات داعيا إلى النصرانية وطاعنا في عقيدة الإسلام ومشككا في القرآن الكريم وفي النبي صلى الله عليه وسلم.

وكان كتابه ميزان الحق من أخطر كتبه، إذ يشتمل على الهجوم الشديد على الإسلام والقرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يستعمل فيه السب والشتم بدون تورع واحتشام، ومما يزيد على خطورة الكتاب أنه قد تُرجم إلى لغات مختلفة؛ الفارسية والأردية والتركية والعربية[4]. فيسهل على العوام تناولها.

وقد زعم فندر أن علماء المسلمين في الهند قد عجزوا على معارضة مضمون كتابه، بما فيه من الحقائق (كما زعم)، إذ لم يظهر منهم أي معارضة وقد نُشر الكتاب بطباعاته الثلاث في أنحاء الهند. فاتحدى علماء المسلمين علنا ومثيرا عليهم بالمجادلة.

تنبه الشيخ لخطورة الكتاب ولأخطار التنصير المحدقة على مسلمي الهند، وخاصة لضخامة الجهود التي بذلها المبشرون النصرانيون بمساعدة مستعمري الإنجليز. فخاف الشيخ على ضعافاء النفوس من المسلمين الارتداد، لما في عميلة التنصير التي قام بها المبشرون النصرانيون من مدح للعقائد النصرانية ونقد وطعن في عقائد الإسلام، وكأن اليأس قد دبّ إلى نفوس المسلمين. فرأى الشيخ أنه لا سبيل إلى الصدّ على هذه الدعاية ولإعادة الثقة في نفوس المسلمين إلا بالكشف عن فسادها والوقوف عليها ومقاومتها.

فعكف الشيخ على دراسة ديانة النصرانية، وخاصة مصادرها، فترك وظيفة التدريس ووقف حياته على الاطلاع على كتب النصرانية ومصادرها فقد رجع الشيخ إلى ثمانية وخمسين مصدرا أساسيا من التواريخ والتفاسير التي كتبها المحققون من أهل الديانتين اليهودية والنصرانية.[5] إضافة إلى ذلك لقد درس الشيخ كتبا أخرى متعلقة بالنصرانية كالكتب والبحوث المتعلقة بدراسات الكتب المقدسة من قدماء المسلمين، وكذلك كتب التفاسير والتاريخ الإسلامي لعلماء المسلمين، فقد درسها دراسة جدية عدة مرات حتى أصبح أعلم بها من أهلها.[6] وكان كل ذلك بغية الرد على النصرانية ومناصرة الإسلام.

وبعد الإتمام من الدراسة بدأ الشيخ ينهض يرد على النصارى، فكتب كتبا في إبطال عقيدة النصرانية وخاصة في الرد على كتاب القس فندر "ميزان الحق". فرغب في مناظرته، فراسله بمراسلات عديدة يدعوه إلى المناظرة، وألحّ عليه بالظهور أمام الجمهور وعلماء المسلمين. فرأى فندر أنه لا مناص له إلا قبول المناظرة، فأجاب لها راضيا ومكرها، وهو لا يقدر نتائجها تقديرا صحيحا.-عبارة الشيخ الندوي في كتابه شخصيات وكتب أثرت في حياتي.

فتقرر عقد مجلس المناظرة في 11 من رجب سنة 1270هـ/10 أبريل 1854م في آكراه، إحدى مديريات الولاية الشمالية الرئيسية -واحد مجالات التبشير في الهند- في حي من أحيائها المعروفة بحارة عبد المسيح.[7] وكانت أول مناظرة في القرن الراهن بين المسلمين والنصارى.

لقد حضر الحفل عدد كبير من علماء المسلمين والهندوس والنصارى وغيرهم. وقد اشترط الشيخ في المناظرة أن لا يجوز خروج المناظرة عن خمسة مواضيع.

1. التحريف في الكتاب المقدس.
2. وقوع النسخ.
3. التثليث.
4. نبوة محمد.
5. صدق القرآن وصحته.

واتفقوا أنه إذا انتصر الشيخ رحمة الله في هذه المناظرة يدخل فندر في الإسلام وإن كان بالعكس ينتصر الشيخ …[8] ثم في النهاية أسفرت النتيجة عن انتصار الشيخ على القس النصراني. وقد اعترف القس فندر بوجود التحريف في ثمانية مواضع من الإنجيل. وكأن اعترافه هذا بمثابة قنبلة تفجرت وأفرغت وقضت على معنويات أنصار فندر وشيعته.

سفره إلى مكة وتأليفه إظهار الحق

وبعد واقعة المناظرة بثلاثة أعوام أي في سنة 1857م قامت محاولة أخيرة من أبناء الهند للتخلص من سيطرة مستعمري الإنجليز، وإثر إخفاق هذه المحاولات تعرض المسلمون لرد فعل عنيف من جهة الإنجليز. لظنهم أن المسلمين هم أصحاب تلك الفكرة والقيادة فيها، فتعرض المسلمون وخاصة قوادهم إلى القضاء والاضطهاد، وكان من بينهم الشيخ رحمت الله الهندي، ولكنه استطاع أن ينجو من أذى الإنجليز فسافر إلى مكة.

ولقي بها عالمها الشيخ أحمد بن زيني دحلان رحمه الله، وبعد التعارف بينهما أدرك الشيخ أحمد مكانة الشيخ رحمت الله الهندي العلمية، فأعطاه الإجازة في التدريس بالمسجد الحرام، وسجل اسمه في السجل الرسمي لعلماء الحرم.[9]

وصادف أن القس فندر بعد أن غُلِّب في المناظرة، سافر إلى أوروبا، وأرسلته الكنيسة في لندن إلى القسطنطينية -مقر الخلافة الإسلامية- ليقوم بالدعوة والتبشير هناك، فقابل السلطان عبد العزيز وحكى له قصة مناظرته مع الشيخ في الهند. وذكر له أن الانتصار كان له. فأهم الخبر السلطان فكتب إلى شريف مكة ليستفسر عن حقيقة أمر المناظرة، فأجابه الشريف بأن بطل تلك المناظرة موجود في مكة وهو يدرس في الحرم، فطلبه السلطان الشيخ إلى الأستانة، ولما سمع القس فندر بتوجه الشيخ إلى القسطنطينية غادر العاصمة لساعته.[10]

ولما لقي الشيخ السلطان قص عليه حقيقة قصة المناظرة، فاقترح السلطان عليه أن يؤلف كتابا بالعربية يسجل فيه بالتحقيق والتفصيل القضايا الخمس التي دار فيها المناظرة، فلبى الشيخ طلبه فكتب الكتاب. فلما انتهى من التأليف سمى السلطان بنفسه الكتاب فسماه "إظهار الحق".[11]

انظر للمزيد من القصة في كتاب "شخصيات وكتب أثرت في حياتي" لشيخي الفاضل أبي الحسن على الندوي(القاهرة: دار الصحوة، ط 1، 1415هـ/1985م)، ومقدمة كتاب وقائع المناظرة التي جرت بين الشيخ رحمت الله الهندي والقسس فندر الإنكليزي، لبسام عبد الوهاب الجابي (بيروت: دار البشائر الإسلامية، ط 1، 1417هـ/1996م).

مضمون كتاب إظهار الحق

تميز كتاب إظهار الحق بنقاط آتية

1. آثر فيه خطة الهجوم على خطة الدفاع
2. ساق أدلته بكل وضوح وسهولة في الاستنباط والترتيب. وابتعد عن المسائل الفرعية التي تكون عادة مثار جدل طويل.[12] قال الشيخ الندوي في ذلك:" إن المؤلف تجنب البحوث الدقيقة التي يتسع فيها مجال الجدال ويكثر فيها القيل والقال، بل اعتمد في الكتاب على التناقضات الواضحة والبديهيات الجلية التي لا تقبل التأويل، واستخرج منها النتائج كنتائج رياضية لا يختلف فيها اثنان". وهذا فعلا أسلوب قرآني حيث أن مجادلة القرآن دائما تتصف بإيجاز وتجنب الإطالة.[13]

3. تعرض الشيخ لمغالطات النصارى وتمويههم، فردّ عليها بأسلوب سائغ مقنع كما تعرض لإثبات النسخ ووقوعه في الديانات السابقة.

4. وضع الشيخ حقيقة عقيدة التثليث في النصرانية على محك العقل، فنقدها نقدا علميا يستسيغه كل من رزق العقل السليم والذوق الصحيح.

5. أضاف الشيخ إلى حانب نقد النصرانية وعقائدها الحديث عن القرآن الكريم وإثبات أنه كلام الله وذكر نبذة من سيرة الرسول e ومعجزاته والبشارة التي وردت في شأنه وقد ذكر ثماني عشرة بشارة وحقق صحة الأحاديث.[14]

6. وكان يكثر من الاستدلال بأكثر من دليل على قضية واحدة حبا منه تقوية أدلته وإقامة الحجة على خصمه.[15] وهذا يشبه بمنهج القرآن الكريم في تكراره بعض القصص أو القضايا، وهو منهج مطرد في القرآن الكريم.

7. يلتزم الشيخ بما يسلم به خصمه، وذلك كإثبات بطلان عقيدة النصارى، وإثبات نبوة محمد e وتحريف كتبهم باعتماد على مصادرهم أنفسهم، وكان لا يلجأ إلى القرآن والسنة والأدلة العقلية إلا في مواضع عديدة عند اقتضاء الضرورة إليها. وذلك لأنه يعرف أن النصارى ينكرون القرآن والسنة فلا ينفع معهم الاستدلال بهما عليهم.[16]

فرحمه الله الشيخ رحمت الله الهندي، فهو خير نموذج من جادل النصارى من المسلمين، وقد ذب عن حوذة الإسلام هجمات النصارى.
الهوامش

[1] الجابي، بسام عبد الوهاب، مقدمته لكتاب وقائع المناظرة التي جرت بين الشيخ رحمت الله الهندي والقسس فندر الإنكليزي، (بيروت: دار البشائر الإسلامية، ط 1، 1417هـ/1996م) ص 8.
[2] انظر ملكاوي، مقدمته لإظهار الحق (مصدر سابق)، ص 23-34.
[3] الجابي، وقائع المناظرة التي جرت بين الشيخ رحمت الله الهندي والقسس فندر الإنكليزي، ص 9.
[4] انظر الجابي، وقائع المناظرة التي جرت بين الشيخ رحمت الله الهندي والقسس فندر الإنكليزي، ص 17.
[5] ملكاوي، مقدمته لإظهار الحق (مصدر سابق)، ص 83.
[6] ملكاوي، مقدمته لإظهار الحق (مصدر سابق)، ص 82 .
[7] ملكاوي، مقدمته لإظهار الحق (مصدر سابق)، ص 82.
[8] الندوي، أبو الحسن: شخصيات وكتب أثرت في حياتي (القاهرة: دار الصحوة، ط 1، 1415هـ/1985م) ص 8.
[9] الغنيمي، مقدمته لوقائع المناظرة (مصدر سابق)، ص 25.
[10] الندوي، شخصيات وكتب أثرت في حياتي، ص 85-86.
[11] المصدر نفسه، ص 86.. انظر http://www.alsawlatiyah.com/books.htm.
[12] انظر ملكاوي، مقدمته لإظهار الحق (مصدر سابق)، ص 84-85.
[13] الندوي، شخصيات وكتب أثرت في حياتي (مصدر سابق)، ص 88. وهذا من أسلوب القرآن الكريم في عرض أي مجادلة حيث أن مجادلته تتصف بإيجاز وتجنب الإطالة فيها من استعمال العبارات المنطقية.
[14] انظر الندوي، شخصيات وكتب أثرت في حياتي (مصدر سابق)، ص 89.
[15] انظر ملكاوي، مقدمته إظهار الحق (مصدر سابق)، ص 85. وهذا يشبه بمنهج القرآن الكريم في تكراره في إيراد بعض القصص أو القضايا وينوع طريقة عرضها، وأحيانا في التكرار تكرار في إثبات أمر معين أو قضية معينة أو نفهما وهو منهج مطرد في القرآن الكريم.
[16] انظر ملكاوي، مقدمته إظهار الحق (مصدر سابق)، ص 87. وهذا دليل على تأثره بمنهج القرآن الكريم في الرجوع إلى كتب أهل الكتاب للبحث عن الحق فيه كما هو وارد في الآية التي أسلفنا إيرادها، قال تعالى )الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ...الآية([16]

هناك ٥ تعليقات:

Struggle girl يقول...

مدونة فكرية وثقافية متميزة
أتمنى المواصلة

محمد خالد يقول...

قد أحسن الباحث وأجاد ، وقدّم شيئاً يُستفاد به.
أخوكم المحب : محمد خالد الندوي
email : khalid.pro76@gmail.com
fb: khalid.jsr

محمد خالد يقول...

قد أحسن الباحث وأجاد ، وقدّم شيئاً يُستفاد به.
أخوكم المحب : محمد خالد الندوي
email : khalid.pro76@gmail.com
fb: khalid.jsr

محمد خالد يقول...

قد أحسن الباحث وأجاد ، وقدّم شيئاً يُستفاد به.
أخوكم المحب : محمد خالد الندوي
email : khalid.pro76@gmail.com
fb: khalid.jsr

quannelljadeen يقول...

Harrah's Cherokee Casino & Hotel - Mapyro
Harrah's Cherokee 부산광역 출장샵 Casino & Hotel - Best Price (Room Rates) Guarantee ➤ Book online INR 19 파주 출장마사지 OFF! deal and discounts 삼척 출장마사지 with 울산광역 출장샵 lowest 영천 출장샵 price on Resort Booking. Rating: 3.8 · ‎56 reviews