الأربعاء، ٢١ ذو القعدة ١٤٢٩ هـ

الإمام الكيا الهراسي وتفسيره "أحكام القرآن"

ترجمة الإمام

لم تحظ شخصية الإمام الكيا الهراسي بالدراسة الوافرة من قبل المؤلفين والباحثين كما حظي أصحاب تفاسير أحكام القرآن الآخرين، وذلك لأنه لم تصل إلينا من مؤلفاته غير تفسيره، فلذلك لا نستطيع أن نتعرف عن شخصيته كثيراً.

اسمه ونسبه
هو علي بن محمد بن علي الآملي الطبري ثم الجرجاني، وكنيته أبو الحسن، وكان يعرف بإلكيا الهرّاسي. و"إلكيا" بالهمزة المكسورة واللام الساكنة، ثم الكاف المكسورة، وفتح الياء المخففة، معناه في لغة الفرس: الكبير القدر بين الناس. و"الهراسي" بالراء المشددة والسين المهملة، معناه: الخائف. وهو من أهل الجرجان.

ولادته ونشأته
ولد في ذي القعدة سنة أربعمائة وخمسين. وتلقى علومه الأولى ببلده خرسان.

رحلاته العلمية
لقد رحل رحمه الله تعالى - وعمره ثمانية عشر سنة- إلى النيسابور قاصدا الإمام الحرمين، فلازمه حتى برع في الفقه وأصوله. ثم دخل بيهق ودرس بها مدة. وحدث عن زيد بن صالح الآملي وجماعة.

سيرة حياته
وبعد دراسته بيهق دخل بغداد، واتصل بخدمة مجد الملك بركياروق بن ملك شاه السجلوقي. وحظي عنده بالمال والجاه، وارتفع شأنه، وتولى القضاء. وله معرفة واسعة بعلم الحديث حتى بلغ مرتبة المحدث، وكثيرا ما يستعمل الأحاديث في مناظرته ومجالسه. وتولى رئاسة النظامية عاما سنة 493هـ.

وكان ذكيا حادقا من معيدي الإمام الحرمين الدوس، وثاني أبي حامد الغزالي، وبارعا في الفقه والأصول والخلاف، إماما نظارا قويا في البحث، رقيق الفكر، جهوري الصوت، حسن الوجه جدا، أحد الفصحاء.

وقال السلفي: "سمعت الفقهاء يقولون كان الجويني يقول في تلامذته إذا ناظروا التحقيق للخوافي والجريان للغزالي والبيان للكيا"، ومن ذوي الثروة والحشمة. وقد اتهم بالباطنية، قال ابن الأثير: "اتهم إلكيا مدرس النظامية بأنه باطني فقبض عليه السلطان محمد فشهدوا ببراءته."

تخرج على يده طلبة كثيرون.

فمن تلامذته

أبو الفتح أحمد بن علي بن محمد بن برهان (ت 520هـ)
أبو منصور سعيد بن محمد بن عمر بن الرزاز (ت 530هـ)
أبو القاسم عبد الكريم بن علي بن أبي طالب الرازي (ت 520هـ)
الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي أحمد بن سلفة الأصفهاني السلفي (ت 570هـ)
القاضي العلامة أبو طاهر محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر بن الكرخي (ت 550هـ)
أبو عبدالله محمد بن عبدالله بن تومرت البربري المصمودي الهرغي

وفاته

توفي رحمه الله في يوم الخميس وقت العصر، مستهل المحرم، سنة أربع وخمسمائة ببغداد، ودفن في تربة الشيخ أبي بكر الشيرازي. وله ثلاث وخمسون سنة وشهران.

انظر لترجمته طبقات الشافعية الكبرى وطبقات الشافعية ووفيات الأعيان.

آثاره العلمية
له مؤلفات حسنة، منها:

• أحكام القرآن
• شفاء المسترشدين
• نقض مفردات أحمد
• كتب في أصول الفقه

التعريف بتفسيره "أحكام القرآن"
يهتم فيه بتفسير آيات الأحكام في القرآن الكريم. فتناول معظم الآيات المتعلقة بالأحكام، فيبين الأحكام المستنبطة منها مثبتا على وجه استنباطه الحكم. لا يحتوي الكتاب على بيان الأحكام المستنبطة على آراء المذاهب المختلفة، بل اختص مداره في تحليل واستنباط وتأييد الأحكام التي استنبطها على غرار مذهبه الشافعي فقط، فللتأييد على صحة أوجه استنباطات مذهبه أورد المصنف آراء المذاهب الأخرى الموافق لها، فيزيد بذلك على اتجاه مذهبه قوة. أو التي تخالفها فحاول إظهار خطأه. وأشحن الرد عليه.

كان إلكيا معروفا بعق اللسان والقلم مع أئمة المذاهب الأخرى، لقد وقف من الإمام الجصاص الحنفي صاحب أحكام القرآن موقفا كان فيه شديد المراس. وكأن همه أن يقتص للشافعي منه. فقد بذل جهدا كبيرا في تفنيد كل شبهة أوردها الجصاص، وحاول دفع كل ما وجهه الجصاص إلى مذهب الشافعي بحجج قوية يسلم له الكثير .

ومن اقتصاصه على الجصاص اقتصاصه في قصة المناظرة التي أوردها الجصاص، وقد صب رده عليه، وكان مما قاله: "وذكر الشافعي مناظرة بينه وبين مسترشد طلب الحق منه في هذه المسألة، فأوردها الرازي متعجبا منها ومنبها على ضعف كلام الشافعي فيها، ولا شيء أدل على جهل الرازي وقلة معرفته بمعاني الكلام من سياقه لهذه المناظرة، واعتراضاته عليها. ولم يعلم هذا الجاهل معنى كلام الشافعي رحمه الله تعالى فاعترض عليه بما قاله، وعجب الناس من ذلك، وقال: في هذه المناظرة أعجوبة لمن تأمل… وظن الجاهل أن الشافعي رحمه الله تعالى رأى القياس ممتنعا في الضدين مطلقا، وأنه لم ير قياس الشيء على خلافه".

وقد حمل تعصب مذهبه -كما كان الحال للإمام الجصاص- إلى تعسفه في تأويل الآية وحملة المخالفين لرأيه بحملة عنيف وأسلوب خشن. وهذا ما ينقص من قيمة كتابه لأنه لو لم تكن هذه التعصبات لكان كتابه أروع كتاب في التفسير الفقهي.

لم يكن كتابه يبحث عن الأحكام الفقهية فقط بل قد يتضمن المباحث غير الأحكام، كالأخلاق والعقيدة والتاريخ.